صدمة.. توسّعٌ في العَينين!
طَيف ابتسامةٍ قريبة.. ابتسامة.. انتشارٌ لضحكةٍ مدوّية!
أصبح عمري اثنتان متقاربتان!
لقد اختتمت اثنين وعشرين عاماً من الحياة!
أسرفت باستخدام إشارات التّعجب أعلم.. لكنّه شعور عجيب!
أن يختم المرء اثنين وعشرين عاماً من حياته وهو يحسبهم مئة عام!
حقاً إنه شيء عجيب!
كانت أعواماً بسيطة، فوضويّة، عبثيّة في مجراها، سريعة على قدر بُطئها، حلوة على قدر بشاعتها..
مشاعر عظيمة قد تخذل كل المشاعر السّيئة..
-لحظة؛ هل قلت أن مشاعراً عظيمة قد تخذل المشاعر السيئة؟؟
والمبدأ يُعرف بالعكس؟!
قد يُعرف المبدأ هكذا.. ولكن ماذا لو كنت أنت المبدأ؟ واخترت أن تكسر التقليدي وتصنع آخراً يليق بك؟
كيف يمكن أن تعيش جميع التجارب إذا لم تكسر العديد من المبادئ في حياتك؟ أو تمشي عكسها؟؟
وقد تسأل هنا.. ما هي المبادئ التي يمكن أن أكسرها أو أنافيها؟؟
أقول لك بعضها:
تألّم!
عند حاجتك إلى الألم واقترابك منه، دعه يأتي بكلّ قوّته.. استسلم له حتى يأخذ منك ضعفك ويعطيك قوّة.. يأخذ منك الهزيمة ويعطيك انتصار.. فهو حقيقةً لا بدّ لها أن تصير، ومن الجُبن أن تتنصّل منها وتهرب.
ابكِ!
ابكِ وكأنّ دموع الكون كلّها في عينيك..
ابكِ عندما تحتاج البكاء.. ليرتاح قلبك، وينتظم زفيرك، وتخرج كلّ تنهيدةٍ هدّت صدرك. حتى على أصغر الأمور.. فمبدأ أن أصغر الأمور لا يجب أن توضع في الحسبان هو كاذب. طالما أنّ الأمر أخذ ولو حيّزاً منك مقدار ذرّة.. فهو كبير.
قلْ لا!
قلْ لا لكلّ الأمور التي لا ترضى بها، ولا ترتبط بك، قلْ لا للعمل الذي لا يليق بك حتى لو أمّن لك حياتك.. قلْ لا للحُبّ الذي يستهلك قلبك وعقلك حتى وإن مُلئ فؤادك به..
قلْ لا عندما تشعر أنك بحاجة قولها. ولتعلم أنّ الخوف من قولها هو خسارة، وأن الاعتراف بها شجاعة.
أعطِ أكثر مما تأخذ!
لا تنتظر عطاءً، ولا تنتظر مقابلاً، لا تنتظر أن يُرَدّ لك ما فعلت..
أعطِ حبّاً إن شعرت بالحبّ، وأعطِ كلاماً تفقد أن يُقال لك، وأعطِ سلاماً لمن يريد، أعطِ أماناً ولو كنت خائف، أعطِ ابتسامة حتّى إن كنت حزيناً، أعطِ خبزاً لمحتاج وإن كنت جائع، أعطِ حناناً ولو كنت وحيد، أعطِ دفئاً ولو كنت تشعر بالبرد.
لا تقاوِم!
كلّ اللحظات الضّعيفة التي مررت بها.. لا تقاوِمها.
دعك من أقوال الناس ولا تقاوِم حزنك، ليأخذ ما يشاء منك.. دعه حتى رمقه الأخير فنهايته الزّوال حتماً.
لا تقاوِم صراخك الدّاخلي الذي يأكلك ويحرق عقلك بالأفكار والكلمات والأحاديث.
لا تدع أحاديثك بين جدران عقلك فقط، أطلقها ولا تقاوِم صمتك.
لا تقاوِم مخاوفك، بل ابقَ وراء معرفة أسبابها وأجزائها وتفاصيلها واقضِ عليها.
لا تقاوِم حنينك، واملأ روحك وصالاً تتمنّاه.
لا تقاوِم حبّك، واملأ أوردتك حبّاً تستحقّه ويستحقّه شخصٌ ما.
لا تقاوِم غضبك، فيسلب خلايا جسدك، ولكن كن حكيماً بغضبك.
وتذكّر أنك لم تكن هنا لتقاوِم.. بل لتحارب، لتكون شجاعاً، وقوياً وجريئاً وبطلاً.
أنت براكين زهور، وعوالِم حبّ.. أنت شعاع نفسك واتّقاد روحك..
فلا تقاوِم.
لم أكن سأتعرّف عليّ لولا أنني تألّمت!
تألّمت كثيراً حتّى بتّ أصادق الألم، وأعطهِ حقّه كاملاً كما أُعطي سعادتي حقّها من الضّحك والجنون والمغامرة.. أعطيه حقّه لا استسلاماً بل شجاعة.
وبكيتُ كما لو أنّ بي بحراً كاملاً من العَبَرات المالحة، ولم تجفّ عيناي ولكنّ قلبي امتلأ سكِيْنة، حتى أنني بكيت لأنّ قلمي المفضّل لم يعد يكتب رغم امتلاكي لغيره.
ثلاث سنواتٍ من معايشة الفشل قلت لهم لا ومشيت في ما أحبّ..
قلت لا لإهانات العديدين واخترت ما اختاره عقلي وقلبي،
قلت لا لأصدقائي المقرّبين حين شعرت بأن وجودهم يؤثّر سلباً على حياتي كاملةً رغم محبّتي لهم.. قلت لا لحربيَ الدّاخلية والمحيطة بي وأكملت ما بدأت به، قلت لا لكلّ الكلمات الخائفة وبقيت عند يومي ذاك أردّد ما رأيته وأصرخ به.
ولم أقاوِم ذلك الصّراخ بل أطلقت العنان له، لم أقاوِم كلماتي حين تأتيني بل أعطيتها مساحاتي ومراكبي ووقتي، لم أقاوِم حنيني حين شعرت بالشّوق رغم البُعد واعترفت به.
لستُ مثالية.. ولا أدّعيها في حياتي.. لستُ قويّة ولستُ ضعيفة.. لستُ الأولى ولستُ الأخيرة..
ولكنني أعلم أنني كعاميَ السّابق “تسلّقت الأمل جهاداً في سبيل الحياة” حتّى أحببتُ السّبيل..
وأنني حاولت – والله يعلم- بأن أبقى دوماً كما أنا على تعداد الأماكن التي مررت بها والأشخاص الذين عبروا عنّي ولم يعبروا منّي بعد..
رافقتني تجارب جديدة خدّرت جوانب عديدة من داخلي ولكنها أشعلت جوانب أخرى..
حين تكلّل عاميَ الأخير بالبنفّسجيّ العتيق، ورافقني في تفاصيل حياتي، حتّى أصبح منّي.. عرفتُ أنني أمشي في السّبيل الصحيح.
لم تنتهي الحرب بعد، ولم تنتهي الكلمات.. لم تنتهي التّجارب ولم ينتهي الأصدقاء..
لم ينتهي التّعبير، ولا الألم، ولا البكاء.. لم ينتهي البنفّسج، ولا الحرير..
اثنان وعشرون عاماً أختمهم وأنا راضية عن كلّ ما بي..
أختمهم بخريفٍ خمريٍّ خجول.. لأدخل بعدها بربيعٍ أخضر حريريّ.