أشعر أن لديّ جوع كبير لأن أكتب، أحكي، أتحدث، رغم أنني صامتة في معظم الوقت.
أيعقل كيف أن الإنسان كائن متناقض في ذاته؟ يملك الشعور ونقيضه في اللحظة ذاتها؟
في عادة الأمر أن الإنسان يأكل حين يشعر بالجوع، ينام حين يشعر بالنعاس والتعب، يشرب حين يشعر بالعطش.. لكنه ماذا يفعل حين يشعر بالانطفاء؟
______
تخطر في بالي الشمعة التي تحترق إثر إشعال الفتيل.. كيف تميل شُعلته يُمنة ويُسرة بأمرٍ من الهواء القادم إليها لا بإرادتها؟ ماذا تفعل هذه الشمعة حين تشعر بالانطفاء؟
لنتكلم إذاً عن صديقتنا الشمعة..
تتكوّن حياة الشمعة من مرحلتين: مرحلة الاشتعال، ومرحلة الانطفاء.
تكون في بداية الأمر شمعة منتصبة القامة، ممشوقة الطول، أو واسعة المساحة.. تحمل في منتصفها فتيلها أو حبلها السرّي الذي يمدّها بالقوة والثبات والحياة.
تضغط أنت على كبسة الولاعة، تُشعل الفتيل ويبدأ بالتآكل والاحتراق.. تشتعل الشمعة!
يبدأ السطح بالذوبان رويداً رويداً، يحترق وتتآكل أجزاءه جزءاً وراء الآخر، وحين تطول عملية الاشتعال تبدأ بفقدان فتيلها أيضاً، وفي أحيان أخرى تفقد القدرة على التماسك فتراها وصلت إلى منتصفها في غضون ساعة وربع.
“هفففف” نفخة واحدة تنتقل بها الشمعة إلى مرحلتها الأخرى، يصبح رأس فتيلها أحمراً يقاوم الهواء القادم إليه، يتصاعد الدخان منها، وبعدها يتحوّل إلى رمادٍ يتناثر ويذهب بعيداً عنها إلى جانب الجزء الذي احترق منه، لم يعد يتحرك شيء.. تنطفئ الشمعة!
تعود مجدداً لتتماسك مع أجزائها، تقف مجدداً صامدة لا تملك حولاً ولا قوّة، ويمكنك العودة إليها بعد 4 ساعات لتجدها كما تركتها لم تتغير قيد أُنملة.
وهنا نعلم أن مقياس عمر الشمعة هو الوقت، كم الوقت الذي أبقيتَها مشتعلة؟ كم عدد المرات التي أشعلتها بها؟ وكم تركتها على حالها دون استخدامها.
يمكنك أن تقضي على حياة الشمعة بإشعالٍ واحد! ويمكن أن تمنحها فرصة البقاء عدة مرات.. رغم أنها ستنتهي في نهاية المطاف لا محالة، لكن كيف تنتهي؟ كم عدد المرات التي انطفأت بها وشعرَتْ بالتماسك والذبول في الوقت ذاته؟ كم مرة اشتعلت وأعطت نوراً قوياً وهّاجاً وخسرت من فتيلها ومن قوامها الممشوق في نفس الوقت؟ (هل تذكر فكرة التناقض؟)
وفي الحقيقة نحن لا ندري أيّ مرحلة هي كانت الأفضل للشمعة.. هل عندما اشتعلت وأعطت النور والوهج والدفء في حين أنها احترقت وذبلت وخسرت نفسها؟
أم عندما انطفأت وارتاحت من الذوبان وحافظت على قوامها فبجانب أنها أصبحت منسيّة لا فائدة لها إلا ما ندر؟!
_____
عزيزي القارئ، إن كنت قد تساءلت في نفسك “لماذا كل هذه الأسئلة وما سرّ الحديث عن الشمعة والمتاهات المتعلقة بحياتها ومراحلها وو” فإليك الآتي؛
انظر إليها، ألا تراها تشبه أحداً ما هنا يقرأ هذه الكلمات؟
نعم عزيزي إنك أنت الشمعة.. في اشتعالك وانطفائك، في ذبولك وراحتك، في عطائك وخسارتك.. وما عمرك إلا وقتٌ يمضي ضمن اختياراتك أنت، هل تسمح لنفخة هواء أن تطفئك؟! أو كبسة صغيرة لأن تحرقك؟
وأنت خير مثال عن الحالتين.. في اشتعالك وانطفائك.. وهنا أقول لك أنك أنت من تعلم أيهما أفضل لك، وكيف تعيش المرحلتين وتوازن بينهما..
هذا هو لغزك أنت وحياتك، لا تقع في فخ الأسئلة وتسأل: ماذا فعلت الشمعة حين شعرَتْ بالانطفاء، بل اسأل: كيف حاولت الشمعة الوصول للنجاة؟