بين أمَان وسَكن .. وبين عتمة وخوف
بين ضفتيّ نهر .. وبين غرق البحر
بين ويلات الحرب وضحكات الأَمَلْ..
انتقلت المسمّيات من “مواطن” إلى “لاجئ”!
كحال العديدين من سكّان المدينة.. ولكنّ الحال هنا يختلف..
______
الأردن – السّلط – 2015
أَمَل..
من سكّان مدينة حمص مواليد عام 2010 ولم تملك من سنواتها الحمصيّة سوى خمس ياسمينات.
تفرّدت بسَمَارِها الجاذب ورموش عينيها التي تشبه سيوف المُحَرَّرِين قوّةً وجمالاً.
غادرت حمص ملوّحةً لنا بقبلات وداعها في أوائل عام 2015 واضّطرت للمبيت في مخيّم على الحدود السّورية الأردنيّة لثلاثة أشهر، مع عائلتها “والدها ووالدتها الحبلى وشقيقتها”.
لم تكن حياة المخيّم حينها تُحسب على أيام حياتهم، حيث كانوا يواجهون صعوبة في أساسيات حياتهم.. “مأكلهم ومشربهم وحتى قضاء حاجتهم واستحمامهم”.
واجهت العائلة في البداية معاناة كبيرة إثر إنجاب والدة أَمَل وإنجابها لفتاة جميلة كشقيقاتها.
في السّلط.. يبدأ عامهم الدّراسي من عمر السبع سنوات.. فتأخّرت دراسة أَمَل عاماً كاملاً.
تُعتبر أَمَل صديقةً لأمها في أعمال المنزل ولإخوتها ولنفسها.
مازالت ضحكتها كما هي، بريئة وجميلة وتجلب للنفس السعادة، لم يأخذ اللجوء منها تلك الشّقاوة والحلاوة الطّفوليّة، بل جعلها متفوّقة في دراستها وتعلّمها لمهارات جديدة.
ولكنّ الغصّة تكمن في شقيقتها الصّغرى التي لا تعلم ما هو الوطن؟!
______
سوريّا – حمص – 2017
أَمَلْ..
بعد عام من اندلاع الحرب.. تأتي أَمَلْ بخدّيها الحمراوين ونظرة تكادُ تجعل قلبك يستكين حُبّاً لجمالها.. وشعرها الأشعث، وذلك في عام 2012.
لم تعِش في منزلهم كحال إخوتها.. بل كان نصيبها أن تكبر وتفتح عينيها ببيوتٍ عديدة وألّا تعرف يوماً البيت الذي احتضن أحلام عائلتها..
الأحلام التي تبنيها أيّة أسرة لتأمين أفضل حياة لأطفالها.. ذهبت وشاء القدر أن تُنعى تلك الأحلام تحت عنوان التمزّق، فمكثت العائلة بين عدّة بيوت، حتى استقرّت في مدرسة تأوي النّازحين النّاجين من هول الحرب!
الحرب التي لم ترحم أحداً، وذلك عام 2017 ليصبحوا نازحين.
والدتها هي الأمّ والأبّ والعائلة بأكملها لأَمَلْ وإخوتها بعد فقدان والدها، مما جعلها تخاف أن يقترب أحداً من والدتها وتغار عليها من أقربائها.
لم يكن في منزلهم رجلٌ يجلب الأمان لهم.. فباتت أَمَلْ لا تعرفُ كيف يمكن لأحد أن يعيش مع أب أو إخوة في بيتٍ واحد!؟
عام ونصف تقطن أَمَلْ بين جدران المدرسة التي هي مأواها.
لا وجود لأجراس الاستراحات الحصصيّة، ولا لحصّة الرّياضة الترفيهية.
لا وجود للمقاعد، بل وسائد للنّوم تحتضن الأحلام الطّفولية.
بشقاوتها تُعطي فرحاً لعائلتها رغم أنّ تنقّلاتها العديدة أعطتها القوّة والإصرار.
تقول والدتها: “أَمَلْ هي ّ قصّة سوريّا كُلّها”
في العام القادم ستدخل أَمَلْ صفّها الدراسيّ الأوّل.. فهل ستجد فرقاً بين مدرستها ومدرستها البيت؟!
________
أَمَلْ وأَمَلْ.. رغم أنهنّ حملنَ الاسم نفسه وتشاركنَ المعاناة نفسها إلّا أنهنّ لم يعشنَ تحت سماء واحدة في وقت واحد..
لم تقف الحياة عند أَمَلَيْن.. هناك الكثير من الآمَالْ التي تنتظر أن تُعرف وأن يُحكى عنها.
العديد من الأطفال، ومن النّاجين الذين فقدوا العديد من حقوقهم وأساسيّات حياتهم.
كُلّنا أَمَلْ.. وكلّنا لاجئ إلى أرضٍ ليست بأرضه، وإلى شعورٍ ليس بشعوره، إلى قلبٍ ليس بقلبه، وإلى أحلامٍ ليست بأحلامه.
كلّنا لاجئون بطريقةٍ أو بأخرى.
فاللّجوء، داءٌ أصاب العديد من السّكان في ظلّ الحرب.. وقد تجاوز عدد اللاجئين من سوريا إلى البلدان المجاورة حتى عام 2015 حاجز الـ 4 ملايين شخص “حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” http://www.unhcr.org/ar/news/latest/2015/7/559e1dde6.html
4 مليون إنسان لا يملكون أدنى حقوقهم وهو الوطن، لا يملكون السّكن الخاصّ بهم ولا يملكون الأَمان.
عدا عن العدد الكبير للنازحين أو اللاجئين داخل سوريا الذي فاق 7 مليون نازح حسب المصدر السّابق.
إنّ المعنى الحقيقيّ للّجوء هو أن تغادر منزلك ووطنك إلى بلادٍ أخرى تجد بها الأمان الذي هو أدنى حقوقك التي يجب أن تمتلكها.. ولكن ماذا إن بقيت داخل وطني، وهو غادرني؟
ألا أصبح لاجئاً؟؟
حقيقةً نحن اللاّجئون إلى قلوب بعيدة لم يتبقّ منها سوى صدى ضحكات أصحابها ولم نملك منهم سوى أعواماً قليلة لا تسدّ جوع حبّهم وشوقهم.