“الصّداقة.. ذلك المصطلح العالميّ البسيط المعقّد في آن واحد..”

الصّداقة..

ذلك الشّيء غير المقترن بعمرٍ ما، أو زمنٍ ما، أو جنسٍ ما، أو حتّى بعدد ما..

هي أرواح متفاهمة، متناغمة فيما بينها..

هي أعمق بكثير من تلك التي يدعونها صداقة وهم في أوّل مطبٍّ يبتعدون..

وإنّ أردنا حقيقة الأمر.. إنّ أغلبنا لا يستطيع تعريف الصّداقة الحقيقيّة ولا يستطيع تطبيقها بدءاً من نفسه حتى يُطالب بها الآخرين.

ولا يمكن حصر تلك الحياة في جملة واحدة، أو تعريف، أو مصطلح، أو إشارتيّ تنصيص مهما كثرت أو قلّت الكلمات!

ولكن تذكّر..

يَوم وجدّتَ نفسك وحيداً بين زِحام النّاس، تائهاً في عالمهم وحيداً في عالمك، مخذولٌ من جميع النّوافذ، وكل الأبواب مقفلة..

يَوم جلستَ على حافّة الطّريق تحت شجرة مهجورة وكُتب على حائطها “بحبك وبغار ويا ويلي من الغيرة”..

وأجهشت في بكاءٍ حادّ تكاد تميل إليك الشّجرة من شدّته لتحضن حزنكَ ذاك.

تذكّر..

يَوم ظننتَ أنّك فاشل!

وجميع محاولاتك في النّجاح فاشلة.. مع عائلتك، مع أصدقائك، في عملك، في محيطك، في كل مكان..

حاصركَ الفشل حتى نهش منكَ جزءاً كبيراً ولم تعد قادراً على إمساك قلم، فبَات قلمك يشتاق لك ويحتاج لكلماتك ولأنْ تأخذه بين اصبعيك وتنثر من حبره قُوتَاً وقوّة.

تذكّر..

جميع الأوقات التي حضنتَ بها وسادتك وألصقتها بخدّيك المحترقين المبلّلين بملوحة دموعك، وكتمتَ عن طريقها نشيج روحك حتى باتت وسادتك تطبطب على رأسك وتحنو على خدّيك وتمسح تلك الدّموع المتناثرة التي وصلت إلى رقبتك من كثرتها.

وهُنا.. تذكّر أرجوك..

أنّك بعد الذّكرى الأولى كنتَ أنت تلك الشّجرة التي انحنتْ إليكَ وحضنتْ حزنكَ الذي وصل حدّه حتّى أعلى سماء.

وأنّك كنتَ القلم الذي وقف منتصباً قوياً ممتلئاً بالكلمات والانتفاضات، أخذ نفسَك بين يديك وجعل من فشلك رواية تحكيها لنفسك قبل كل وقوع وبعد كل قيام.

وأنّ تلك الوسادة لم تكن سوى رئتك التي تمتصّ خوفك وضعفك وتعصره لتجعل منه أحلاماً ترافقكَ في يقظتك ومشَت إليكَ كما شاء لها أن تمشي وكما تمنّيتها.

تذكّر يا صديقي أنّك صديق نفسك في كلّ أوقاتك؛

في الضّعف وفي القوّة، في الفشل وفي النّجاح، في الحُبّ وفي الكره، في الحزن والسّعادة، في الجنون والخمود..

حين تتكوّر على نفسك كجنين لا يستطيع التقاط أولى أنفاسه في بداية مسيرته الحياتيّة.. تذكّر أنّك ستكون ذلك الطبيب الذي يضرب عليك لتصحو ولتحيَا.

بعد ذلك.. عليك ألّا تنسى..

ذلك الصّديق الذي وقف بقربك ليس لأنّك تقع، أو تتهاوى.. بل وقف فخوراً بك، بإنجازاتك البسيطة، سعيداً بك، يُشعل مشاعره جميعها من أجلك.

لا تنسى.. ذلك الصّديق الذي تغيب أيّاماً وأيّاماً وأيّام، تُلهيك الحياة عن التّواصل معه.. ولكن عند أول رسالة تقوم بإرسالها له يجيبك وكأنّك تركته قبل دقيقة.

صديقك الذي لا تشعر معه بأنك غريب.

الذي تنتمي لأفكاره، تشعر معه بأنّه وطنك، ميناء الأمان لك، نجومك المضيئة في لَيلِك، يهِبُك بلا مقابل..

من يجعل منك إنساناً لا همّ له ولا حزن، يحتمل أوقات ضجرك..

يُنصت لعينيك.. يستمع للهاث قلبك في صمتك، يرى انطفائك ويوقد منه لهيباً..

صديقك من يفي بوعده أثناء وجود فرصة للخيانة..

من يصون عهدك حتّى في الغياب والبُعد..

من يقوّم عودَكَ حين تتهاوى..

صديقك من يقرّبك حين تبتعد..

من يرى أخطائك ويصحّحها لك..

صديقك من تجده في المواقف والتّجارب مهما صَعُبَت..

صديقك من تجده بقربك عندما تحتاجه رغم الحرب القائمة بينكم..

أن تكون صديقاً بحقّ.. هي مهمّة صعبة يا صديقي.. صعبة جدّاً؛

ولكنها ليست مستحيلة أبداً..

_________

بعض الأصدقاء قد اختبأ ذكرهم بين حوافّ الحروف وقلوب الكلمات، ورُسم محياهم وظلّ ذكرهم في البال بعد انقطاعات عدّة..

بقلم: سُندس زَنكاوان